الأعشى صنـــــــاجة العـــــــرب

( الأعشى صناجــة العرب )








الأعشى لقب لعدد من الشعراء في العصر الجاهلي فمنهم :


أعشى قيس
أعشى باهله
أعشى بكر بن وائل
أعشى بني ثعلبة
أعشى بني ربيعة
أعشى همدان
أعشى بني سليم


لكننا إذا ذكرنا الأعشى صناجة العرب فإن أعشى قيس يكون هو المقصود
والأعشى قيس هو ميمون بن قيس من بني قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل.



لُقِب بالأعشى لأنه كان ضعيف البصر ويكنى الأعشى: أبا بصير تفاؤلاً.
وقد ولد ونشأ في منفوحة وهي قريه حضريه على ضفاف وادي حنيفة في نجد وقد أصبحت منفوحة
اليوم جزءا من مدينه الرياض بالمملكة العربية السعودية .



وهو من الطبقة الأولى من الشعراء من حيث الإجادة لما لشعره


من شهرة عالية
جودة راقية


جعلت الأدباء والنقاد في القديم والحديث يقدمونه على من سواه ويعطونه من الدرس والعناية عطاء وافرا
فيبحثون في حياته وشعره ذاكرين ملامح الثراء في تجربته الشعرية من


عمق في الفكر
جمال في الصور
سلاسة في الموسيقى


ليُحفظ شعره ويُردد على مر العصور وتروى شهادات النقاد في براعة هذا الشاعر واقتداره.



ومن الشهادات التي تروى عندما يذكر هذا الشاعر ما تدونه أغلب كتب الأدب عن محمد بن سلام الجمحي
في طبقات فحول الشعراء أنه قال: "سألت يونس النحوي من أشعر الناس قال لا أومئ إلى رجل بعينه
ولكني أقول امرؤ القيس إذا غضب والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب"



ولقد كان لشعره جَلَبَة في السمع وروعة في النفس وأثر في الناس وكان يغني شعره
فسمي لذلك { صناجة العرب}



ومن العجيب أن لقب الأعشى الذي ذاع وشاع في النقد العربي هو لقب فارسي
حيث إن كلمة صناجة من (صنج) وهي كلمة فارسية لها معنيان مختلفان في شعر الأعشى يوردهما آذرتاش آذرنوش
الذي تتبع الألفاظ الفارسية في ديوان ذلك الشاعر الكبير من خلال كتابه (سبل نفوذ الفارسية في ثقافة عرب الجاهلية ولغتهم).


بقوله:


الصنج هي تلك الدائرة النحاسية التي يعلقونها بأصابعهم ويعزفون بها والظاهر أنها معربة عن
اللغة البهلوية فأصلها (الجنك)


وتشير أيضا إلى أن الصناج هو الذي يعزف بالربابة.





ولقد حاول النقاد العرب أن يعللوا سبب تلقيب الأعشى بصناجة العرب
فيذكر أحدهم بأنه أول من أدخلها إلى نسيج الشعر العربي ويذكر بيته الذي يقول فيه:






ويقولون ان الأعشى هو أول من انتجع بشعره يقصدون بذلك أنه كان يمدح لطلب المال.
ولم يكن يمدح قوماً إلا رفعهم ولم يهج قوماً إلا وضعهم
لأنه من أسير الناس شعراً وأعظمهم فيه حظاً.


ومن الشواهد


قصته الطريفة والمشهورة مع المحلق وبناته .. والتي تقول :


كان المحلق رجل من مغموري العرب وفقرائهم وكان أبا لثماني بنات عوانس لم يتقدم لخطبتهن أحد
لمكان أبيهن من الخمول والفقر .. فاقترحت عليه امرأته وكانت امرأة عاقلة أن يضيف الأعشى .. عله يشيد بذكره ..



فأضافه .. ونحر له ناقة على فقر ..وقدم إليه الشراب واشتوى له من كبد الناقة وأطعمه من أطايبها
فلما جرى فيه الشراب وأخذت منه الكأس .. سأله عن حاله وحال عياله .. فذكر له بناته ..



فقال الأعشى : كُفيتَ أمرهن .. ومضى فمدحه بقصيدة بليغة ..
وأنشدها في عُكاظ ..


تقول بعض أبياتها :






أرقتُ وما هذا السُّهادُ المـؤرقُ


وما بي من سقمٍ وما بي معشقُ





فاجتمع الناس حوله يسمعون .. إلى أن قال :






نفى الذم عن آل المحلق جفنةٌ

كجابيَةِ الشيخِ العراقي تفهَقُ





( تفهق : تمتلأ )






ترى القومَ فيها شارعين وبينهم

مع القوم ولدان من النسل دردق





( دردق : الأطفال )






لعمري لقد لاحـت عيـونٌ كثيـرةٌ

إلى ضـوءِ نـارٍ باليفـاع تحـرقُ



ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه

كما زان متـن الهندوانّـي رونـقُ





فما أتم القصيدة إلا والناس يتهافتون ويتوافدون إلى المحلَّـق يهنؤونه
والأشراف من كل قبيلة يتسابقون إليه يخطبون بناته لمكان شعر الأعشى ..
فلم تـُمسِ واحدة إلا في عصمة رجل أفضل من أبيها ألف ضعف ..




شعره من الطبقة الأولى الا أن معظم شعره لم يتصل بنا ولا نعلم له الا قصائد معدودة أشهرها





ودِّع هريرة إن الرَّكبَ مرتحل

وهل تُطيقُ وداعًا أيُّها الرجلُ




وقد عدها البعض من المعلقات .



طال عمر الأعشى .. حتى ابيضت عيناه من الكبر ..
وسمع بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنع في مدحه قصيدة وعزم على الرحيل إليه بالحجاز ..
تقول بعض أبياتها :






ألم تَغتَمِض عيناكَ ليلَةَ أرمـدا

وبِتَّ كما باتَ السَّليمُ المُسهَّـدا



وما ذاك من عِشقِ النِّساءِ وإنَّما

تَناسَيتَ قبلَ اليومِ خُلَّةَ مَهـدَدا




( ومهددا : صاحبة الأعشى )






ولكن أرى الدهرَ الذي هو خائنٌ

إذا أصلَحت كفَّايَ عاد فأفسـدا



شبابٌ وشِيبٌ وافتِقارٌ وثـروةٌ

فلله هذا الدهـرُ كيـفَ تـردّدا




ومنها أيضا :





فآليتُ لا أرثي لها مـن كلالـة

ولا من وجىً حتى تُلاقي محمدا



متى ماتُناخي عند باب ابن هاشم

تُراحى وتَلقى من فواضلهِ نـدى



نبيٌّ يَرى مـالا يَـرون وذكـرُهُ

أغاد لعمري في البـلاد وأنجـدا



لَـه صدقـات ماتغِيـب ونائـلٌ

وليسَ عطاء اليوم يمنعهُ غـدا



ورحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فسأله أبو سفيان عن وجهته ..
فقال أردتُ محمدا ..
قال : إنه يحرم عليكم الخمر والزنا والقمار ( ولأنه يعلم مدى ولوعه بها ) ..
فرد عليه الأعشى قائلا : أما الخمر فقد قضيت منها وطرا ، وأما الزنا فقد تركني ولم أتركه
وأما القمار فلعلي أصيب منه عوضا.


فلما سمع أبو سفيان بذلك .. حرض قومَه على إرضائِهِ بالرجوع خوفا من أن يُسلم
فينصر رسول الله بشعره على قريش ..
وقال لهم أبو سفبان : والله لئِن أتى محمدا أو تبِعَه لَيُضرِمَنّ عليكم نيران العرب بشعره
فاجمعوا له مئة من الإبل فجمعوا له مائة ناقة حمراء وأخذها الأعشى ورجع
حتى إذا دنا من اليمامة سقط من فوق ناقته فدقت عنقه ومات .
وكانت وفاته عام 7هـ الموافق 629 للميلاد




دمتم وطبتم