مــنـتـدى ابـن الـهـدابــي
أهلا بك أخي/تي الزائر في منتدى ابن الهدابي اذا كانت هذه أول زيارة لك ، فإننا نرجو ان تسجل معنا وتشاركنا في مواضيعك الشيقة
مــنـتـدى ابـن الـهـدابــي
أهلا بك أخي/تي الزائر في منتدى ابن الهدابي اذا كانت هذه أول زيارة لك ، فإننا نرجو ان تسجل معنا وتشاركنا في مواضيعك الشيقة
مــنـتـدى ابـن الـهـدابــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــنـتـدى ابـن الـهـدابــي

نحن معاك يا قائد عمان ... لا شقاق ولا نفاق
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
شارك بابداعتكم في المنتدى واحصل شهريا على جوائز عينية ونقدية
جوائز شهرية على : 1- أجمل موضوع 2- أفضل رد 3- أنشط عضو
مبارك عليكم شهر رمضان الكريم ومبارك لللفائزين بالمسابقة الشهرية

 

 ملامح من النهضة العمانية

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الشبح
الادارة العليا
الادارة العليا
الشبح


عدد المساهمات : 851
نقاط : 24032
تاريخ التسجيل : 10/07/2010
العمر : 44

ملامح من النهضة العمانية Empty
مُساهمةموضوع: ملامح من النهضة العمانية   ملامح من النهضة العمانية Emptyالسبت أكتوبر 16, 2010 5:59 pm

مهما حاول المرء أن يتمثل صورة عمان قبل سنة 1970، فإنه لن يستطيع أن يلم بالمشهد العام الذي كان يعكس أوضاعها المتردية المتمثلة في الفقر الذي كانت ترزح تحت وطأته، والجهل والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، والنظام العشائري الذي كان ينخر مجتمعها، ناهيك عن الاضطراب السياسي الذي كان يعصف بها بسبب تفاقم خطر حركة ظفار، إلى غير ذلك من المعطيات التي انعكست سلباً على الوضع الخارجي، حيث ظلت عمان تعاني من العزلة السياسية وصد الأبواب في وجه أي انفتاح أو بداية لشق الطريق نحو الحداثة.

وحين أخذ السلطان قابوس بناصية الحكم سنة 1970، وجد أمامه هذه التركة الثقيلة من التخلف والجهل والمعاناة، لكنه استطاع خلال ثلاثة عقود - بإرادة قوية ملتحمة مع إرادة الشعب العماني- أن يحقق إنجازات نهضوية نقتصر في هذه الورقة على ثلاثة نماذج منها تنهض دليلاً على عمق التحولات التنموية الحديثة التي أنجزت في عهده، وهي الانتقال الديمقراطي، والنمو الاقتصادي، ثم تحديث التعليم العالي وتطويره.

أولاً: بناء نظام سياسي حديث متدرج نحو الديمقراطية

1- الأساس الأول: تحديث عمان قبل الانتقال إلى الديمقراطية:


قبل عام 1970، كان المجال السياسي يعد من الطابوهات الممنوعة على الشعب العماني، لكن بعد هذا التاريخ بدأت عمان تشهد توجهاً جديداً يروم إحداث قطيعة مع العهد البائد، ويحاول تسخير الطاقة البشرية لنهضة البلاد سياسياً، وبناء نظام سياسي حديث بطريقة مرحلية وسليمة، تتوافق مع البيئة العمانية وموروثها القبلي والتاريخي، وينخرط في نسيج الحداثة ويواكب التحولات العالمية([1]).

في هذا السياق، استندت فلسفة التحديث العمانية إلى برنامج طموح يرتكز بالأساس على تحديث البنية الاقتصادية والاجتماعية أداةً ضرورية لبناء الدولة العصرية، وذلك بفتح أبواب التعليم أمام جميع الشرائح الاجتماعية لمحاربة الجهل والأمية، وتنويع الموارد الاقتصادية بدل الاعتماد على النفط مورداً أساسيّاً للرّفع من مستوى المعيشة، وفتح باب الحرية أمام المرأة للمشاركة في المجال السياسي.
كما لجأت استراتيجية التحديث العماني في بداية العهد الجديد إلى استئصال حركة ظفار ليس اعتماداً على مبدإ القوة فحسب، بل زاوجت بين الفعل العسكري والتنمية الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية من خلال تحسين الخدمات العامة، وتجهيز البنية التحتية بصفتها وسيلة للقضاء على أسباب التمرد.

وبهذه الإستراتيجية الواعية، نجحت القيادة العمانية في العقد الأول من حكمها في خلق البيئة الصالحة لزرع البذور الأولى للديمقراطية، مقتنعة بأن الديمقراطية لا يمكن أن تنجح إلا في بلد يتمتع بمؤسسات حديثة تصلح لمعرفة البناء والتطوير والتنمية، وفي مناخ من الأمن والسلم، يسمح بالاستثمارات الاقتصادية وتوجيهها لما يخدم مصلحة الإنسان العماني، وهو ما تم تحقيقه في العقد الأول من عصر النهضة.

2 - الأساس الثاني: الانتقال التدريجي نحو الديمقراطية:

أكدت التجارب التاريخية أن الديمقراطية المستوردة أو المفروضة دفعة واحدة بالقوة، أو تلك التي تأتي من الخارج، والتي ليس للشعب المعني بها أي نصيب فيها، إما يكون مآلها الفشل، أو يكون نجاحها قصير العمر. لذلك كانت القيادة العمانية مدركة لهذه المعادلات، فاعتمدت في بنائها الديمقراطي على منهج يقوم على طريقتين، تتمثل أولاهما في مراعاة خصوصية المجتمع العماني المعروف بانتمائه للإسلام وتشبثه بعروبته، وخضوعه للبناء القبلي الذي هو وليد تراكمات تاريخية أفرزت مجموعة من التقاليد والقيم والثقافة المتفردة. وهذه كلها معطيات منحت هذا المجتمع خصوصيته وجعلته غير قابل لوصفات جاهزة أو مستوردة من هذا التيار أو ذاك، وهو ما استوعبته القيادة العمانية مبكراً، حيث رأت أن تطبيق النماذج الجاهزة من الصيغ الديمقراطية على مجتمع مثل المجتمع العماني الذي يتميز بخصائص حضارية يمكن أن ينقلب إلى ضده، ومن ثم وجب أخذ الواقع الملموس بعين الاعتبار لإنجاح التجربة الديمقراطية([2]).

أما الثانية، فتتجلى في ما تبنته فلسفة التغيير الديمقراطي في عمان من اعتماد على المرحلية والتدرج في الانتقال الديمقراطي، خاصة أن التجربة أثبتت أن التحولات الديمقراطية المتدرجة أكثر نجاحاً من التحولات الديمقراطية السريعة التي يصعب هضمها وفهمها([3]). والمنهج التدرجي الذي يعتمد على سياسة خطوة خطوة، أو بكلمات السلطان قابوس «لبنة لبنة»([4])، غالباً ما يتيح إمكان الاستقراء وإدراك نقط القوة والضعف، وترك ما ينبغي تركه، والمضي في ما ثبت أنه صالح للتجربة. ومن هنا جاء التفكير السليم للقيادة العمانية في وضع استراتيجية بطيئة، لكنها قادرة على التكيف، وتحقيق المسار الديمقراطي في نهاية المطاف. ولذلك بدأت بإنشاء مجموعة من المؤسسات التي تتيح إمكان المشاركة الشعبية في القرار السياسي، نذكر منها:

- تأسيس المجلس الاستشاري الأول:

تم إنشاء هذا المجلس سنة 1981 بمرسوم سلطاني. وقد بلغ عدد أعضائه 55 عضواً يقوم السلطان بتعيينهم بناء على تمثيلية نسبية تخضع لمعطيات جغرافية وقبلية ومصالح حكومية([5]).

وإلقاء نظرة فاحصة على هذا المجلس يجعل الباحث يلاحظ بعض الهنات التي شابته، وتتمثل على الخصوص في مسألة التعيين، واقتصاره على الدور الاستشاري وليس التشريعي، ثم عدم تمثيله للمرأة العمانية.

بيد أن هذا الانتقاد سرعان ما يفقد وهجه إذا أخذنا بعين الاعتبار فلسفة التحول التدريجي الذي نهجته القيادة العمانية بوعي وتبصر، ومنها أن أي مشروع ديمقراطي طويل المدى لابد وأن تكون بدايته متواضعة. فضلاً عن ذلك، فقد تبين مع مرور الزمن أن هذا المجلس أصبح يتطور ويتلاءم مع ما تشهده عمان من خطوات تنموية، مما جعل الحكومة العمانية تعتمد على توصياته، وتصغي إلى ملاحظاته حول خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبهذه المواصفات، شكل المجلس الاستشاري الأول بداية حقيقية للتحول الديمقراطي، ونواة لمجلس الشورى الذي سيحل محله.

- مجلس الشورى العماني، خطوة جديدة نحو الانتقال الديمقراطي:

تستند الشورى العمانية إلى تراث عماني خصب وعريق. وقد تبلورت في إطار تفاعلها مع الواقع الاجتماعي وخصوصياته في صيغة عمانية متميزة للمشاركة السياسية الفاعلة للعمانيين، من خلال دور ومهام مؤسسات الشورى العمانية الثلاث، وهي مجلس الدولة ومجلس عمان ومجلس الشورى([6]).

فبخصوص مجلس الشورى، يمكن تعريفه بأنه مؤسسة شورية منتخبة ذات شخصية اعتبارية، ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ومقره مسقط([7]).

والواقع أن هذا المجلس عوّض المجلس الاستشاري آنف الذكر سنة 1991، لكن الميزة الأساسية التي ميزت المجلس الجديد تتمثل في كون أعضائه لا يعينون، وإنما ينتخبهم المواطنون مباشرة، مما يعتبر منعطفاً هاماً في مسيرة الانتقال الديمقراطي الذي هو موضوع دراستنا.

ولتفعيل هذا المجلس على صعيد الواقع، قسمت عمان إدارياً إلى 59 ولاية تقوم كل واحدة منها بترشيح شخصين يتم اختيار أحدهما ليمثل الولاية في المجلس.

ومن الأمور التي تعكس التطور الديمقراطي في عمان، أن مجلس الشورى في فترته الخامسة (2004-2005) قد تم تشكيله عبر الانتخابات العامة بعد توسيع قاعدة المشاركة ليشمل كل المواطنين رجالاً ونساء. كما تم تخفيض سن التصويت من 30 إلى 21 سنة فقط، ويتمتع كل مواطن بحق التصويت والترشيح وفقاً للقانون. ومما يُبَشِّر بتطور إيجابي أن انتخابات مجلس الشورى للفترة الخامسة التي جرت في 4 أكتوبر 2003 في مختلف ولايات السلطنة شهدت إقبالاً ملحوظاً، واتسمت بالشفافية وحسن التنظيم واستخدام الحاسوب الآلي في عمليات التصويت للمرة الأولى في هذا المجال، وذلك بكوادر عمانية مدربة وذات كفاءة عالية، ودون أي تدخل من الحكومة التي حرصت على توفير وتسهيل عملية الانتخابات وإشراف القضاء عليها.

وبينما بلغ العدد الإجمالي لمن لهم حق التصويت 822 ألف ناخب وناخبة، فإن نسبة المشاركة في عملية التصويت ممن تم تسجيلهم في قوائم الناخبين بلغت 74,9 %، وهي نسبة مشاركة كبيرة في أول انتخابات عامة في السلطنة. وقد تنافس في هذه الانتخابات 506 من المرشحين، منهم 491 رجلاً و15 امرأة للتنافس على 83 مقعداً، وتم التصويت في 93 مركزاً في ولايات السلطنة التسع والخمسين. كما تم تنظيم انتخابات للجاليات العمانية في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر ومصر والأردن، وبالتالي تشكل هذه الانتخابات العامة علامة مميزة على طريق التطور الديمقراطي وترسيخ الشورى العمانية. وتجدر الإشارة إلى أن 50 عضواً جديداً دخلوا المجلس لأول مرة في هذه الانتخابات، أي بنسبة 60 % من عدد الأعضاء، وهي نسبة كبيرة في تطور الانتخابات. وكان من ضمن الأعضاء المنتخبين امرأتان.

وتستغرق مدة العضوية في مجلس الشورى أربع سنوات قابلة للتجديد. أما رئيس مجلس الشورى، فيتم تعيينه بمرسوم سلطاني([8]). ويتمتع هذا المجلس بصلاحيات عديدة تشريعية واقتصادية واجتماعية تمكنه من القيام بدوره المنشود في زيادة وتعميق مشاركة المواطنين في جهود التنمية، سواء من خلال أدائه لمهامه أو من خلال توعية المواطنين. ومن أبرز صلاحيات المجلس مراجعة مشروعات القوانين التي تعده الوزارات والجهات الحكومية قبل اتخاذ إجراءات إصدارها باستثناء تلك التي تقتضي المصلحة العامة رفعها مباشرة إلى السلطان لإصدارها. ويحيل المجلس مشروعات القوانين التي يتولى مراجعتها مشفوعة بتوصياته، وكذلك ما يراه مناسباً في مجال تطوير القوانين الاقتصادية والاجتماعية النافذة إلى مجلس الوزارء. وبموجب المرسوم السلطاني رقم 74/2003، فإنه تم توسيع صلاحيات مجلس الشورى في مجالات مراجعة مشروعات القوانين والمشاركة في الإعداد لمشروعات الخطط التنموية الخمسية والموازنات العامة للدولة التي تحيلها الحكومة إلى المجلس قبل اعتمادها واستصدارها في صورة تشريعات نافذة. كما أن للمجلس حق إبداء الرأي في ما تعرضه الحكومة عليه من موضوعات؛ ويرفع مجلس الشورى توصياته إلى السلطان. كما يرفع رئيس المجلس تقريراً إلى جلالته بنتائج أعمال المجلس سنوياً.

والجدير بالذكر أنه إلى جانب مشاركة المجلس في الإعداد لخطة التنمية الخمسية السادسة (2001-2005) والمصادقة على الإطار العام لها، فإن دوره يزداد أهمية ووضوحاً، سواء في متابعة تنفيذ الخطة في المجالات المختلفة أو من خلال مناقشة مشروعات القوانين المحالة إليه، ومراجعة القوانين النافذة لتكون أكثر استجابة وملاءمة للمرحلة التي يمر بها المجتمع تنموياً واجتماعياً. ويمارس المجلس مهامه من خلال عدة أدوات وإجراءات وقواعد تنظيمية تم إقرارها بواسطة المجلس، ومن أهمها الأسئلة والرغبات وطلبات المناقشة والنظر في طلبات ومقترحات المواطنين حول المسائل العامة. وتسمح هذه الأدوات والإجراءات بالتواصل بين المجلس ومختلف الوزارات والمؤسسات الأخرى. كما توفر المناقشات العلنية التي يجريها المجلس مع من يستضيفهم من وزراء الخدمات نافذة يطل منها الرأي العام على ما يجري من أنشطة في هذا المجال أو ذاك، خاصة وأن تلك المناقشات العلنية يتم بثها عبر وسائل الإعلام المختلفة.

إن تأسيس مجلس الشورى العماني يعتبر حلقة من حلقات تطبيق التجربة الديمقراطية العمانية، على الرغم ممّا يؤاخذ عليه من افتقار أعضائه المنتخبين إلى الصفة التشريعية وعدم مراقبة الحكومة. ومع ذلك، فإنه دليل على تطور الوعي الديمقراطي العماني من أجل المشاركة الشعبية بكيفية تدريجية.



- مجلس الدولة:

يندرج هذا المجلس في إطار هيكلة الشورى العمانية، إذ هو مؤسسة شورية ذات شخصية اعتبارية تضطلع بدور حيوي على صعيد التنمية الوطنية وترسيخ وتعميق المشاركة بين الحكومة والمواطنين باعتبارها «رافداً بالمشورة والرأي، ولبنة أخرى قوية راسخة في بنيان المجتمع العماني»([9]).

ويتم تعيين رئيس مجلس الدولة وأعضائه بمرسوم سلطاني ولا يتجاوز عدد أعضائه أعضاء مجلس الشورى. وقد بلغ 57 عضواً سنة 2004، ثمانية منهم من النساء؛ أما مدة عضوية المجلس، فهي أربع سنوات قابلة للتجديد.

ولهذا المجلس الذي ينعقد سنوياً كذلك صلاحيات عديدة، أبرزها إعداد الدراسات التي تسهم في تنفيذ خطط وبرامج التنمية، والنظر في كيفية التغلب على ما يعتورها من عقبات؛ كما يراجع مشاريع القوانين قبل اتخاذ إجراءات إصدارها([10]).



- مجلس عمان:

وفقاً للمادة الخامسة من النظام الأساسي لسلطنة عمان، أصبح مجلس الشورى ومجلس الدولة يشكلان معاً مجلس عمان الذي يجتمع بدعوة من السلطان، ويصدر قراراته بالأغلبية. ويفتتح السلطان فترة الانعقاد السنوي لهذا المجلس بخطاب سنوي يستعرض فيه معظم القضايا الوطنية.

وكان السلطان قابوس قد افتتح الفترة الثالثة لمجلس عمان في 1 أكتوبر 2003 بخطاب أكد فيه ضرورة السير في طريق الديمقراطية بـ«ترسيخ منهج الشورى وتطويره بما يلبي مصلحة الوطن، ويستجيب لتطلعات المواطنين». كما أكد رعايته تجربة العمل الديمقراطي، وتعاون الحكومة مع كل من مجلس الدولة ومجلس الشورى([11]).



- الجولات السلطانية: نموذج للـ"ديمقراطية المباشرة":

إذا كانت المؤسسات الشورية السالف ذكرها تتجه بسلطنة عمان نحو الانتقال الديمقراطي، فإن الجولات السلطانية التي تجري سنوياً في الولايات العمانية تجسد صيغة فريدة في "الديمقراطية المباشرة" الهادفة إلى بلورة المشاركة الشعبية عن طريق صياغة علاقة مباشرة بين القيادة والقاعدة. ففي خضم هذه الجولات السلطانية، تلتقي مختلف شرائح الشعب العماني مباشرة مع السلطان الذي يقوم بمحاورتها، ويصغي إلى ما تطرحه من مشاكل تهم حياتها الاجتماعية والسياسية بصراحة ودون قيود أو مسافات، مما يسهم في تحقيق الفهم المشترك والتفاعل العميق بين قطاعات المجتمع ومؤسساته، علماً بأن هذه اللقاءات يحضرها أيضاً مختلف الوزراء الذين يسجلون مختلف المطالب والحاجات المطروحة، لينكبُّوا فيما بعد على معالجتها.

وغالباً ما تبدأ الجولة السلطانية من مسقط لتحط الرحال بظفار، حيث تقطع القيادة العمانية السلطنة من أقصاها إلى أقصاها، ويقام المخيم السلطاني في كل المناطق التي يمر منها، ليصبح هذا المخيم مركزاً نشيطاً يلتقي به السلطان مع أعضاء مجلس الدولة والشورى والشيوخ والوجهاء والأعيان والمواطنين، ويساهم الكل في إيجاد الحلول لمختلف القضايا المطروحة. وهذا ما عبر عنه السلطان قابوس بقوله عن الهدف من الجولات السلطانية:



إن الهدف من هذه الزيارة لنراكم ونتحدث معكم ونسمعكم، وفي نفس الوقت لتقوم حكومتنا بواجبها في هذه النواحي عندما يقفون على الأمور مباشرة، ويتحدثون إليكم وإلى الآخرين من الناس يتلمسون الأمور التي هي محل اهتمام، والتي يجب أن نقوم بواجبنا نحوها ([12]).



والحاصل أن التجربة العمانية في المسيرة الديمقراطية تجربة متميزة لا يمكن الحكم عليها نهائياً، لأنها لم تكتمل بعد؛ لكنها تسير في الطريق الصحيح على الرغم من تدرجها البطيء. ويمكن القول إن تحديث الدولة وخلق عناصر الالتحام بين الشعب والقيادة وتحقيق الاستقرار والتكامل بين التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستسمح لهذه التجربة بشق الطريق مهما بدت نقطة الوصول بعيدة.



ثانياً: النمو الاقتصادي لسلطنة عمان

يعد النمو الاقتصادي من أبرز سمات النهضة العمانية المعاصرة. ولا غرو، فقد حقق طيلة العقود الثلاثة الأخيرة من القرن 20 قفزة نوعية متميزة، وفرت له القدرة على النمو الذاتي، والتفاعل الإيجابي مع مختلف التطورات الإقليمية والدولية.



1 - نجاح خطط التنمية الاقتصادية:

منذ سنة 1976، بدأت خطط التنمية الاقتصادية في عمان تتواصل بنجاح، لكن أهمها يتمثل في خطة التنمية الخماسية السادسة الممتدة من عام 2001 إلى عام 2005، والتي تهدف إلى توفير إطار كلي مستقر للاقتصاد العماني يتم من خلاله زيادة نسبة مساهمة الغاز الطبيعي، والحد من الاعتماد الكلي على النفط، مع تنويع مصادر الدخل، وتنمية القطاع الخاص.

وتبين الإحصائيات مدى نجاح المخططات الخماسية، إذ تم ما بين عام 1976 وسنة 2000 إنفاق 43,3 مليار ريال عماني، أي ما يعادل 112,5 مليار دولار من أجل تشييد بنية أساسية للاقتصاد العماني، وذلك حتى يصبح اقتصاداً متطوراً على مستوى الإنتاج والخدمات. وتسعى الخطة الخماسية الحالية (2001-2005) إلى ضمان استقرار متوسط الدخل الفردي، بتحقيق معدل نمو سنوي لا يقل عن 3 % في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير 100 ألف فرصة عمل خلال سنوات الخطة، وتنشيط التخصيص.

وتحرص عمان على تحقيق المزيد من الاندماج الاقتصادي خليجياً وعالمياً، حيث تدعم الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي بدأ تنفيذه في يناير 2003، فضلاً عن تطبيق متطلبات التجارة الحرة العربية الكبرى، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

ويبدو من خلال الأرقام أن الخطة الخماسية السادسة حققت نمواً واضحاً، إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي نسبة نمو بلغت 6,2 %. وإذا قارنا هذه النسبة مع نسبة النمو سنة 2002 والتي بلغت 2,9 %، أمكن البرهنة على أن نسبة النمو في الخطة الحالية قد تضاعفت.

وبناء على الإحصائيات كذلك، فإن الميزانية العامة لسلطنة عمان سنة 2004 عرفت بدورها نمواً ملحوظاً، إذ ارتفعت بنسبة 14 % عن عام 2003. كما أن الإيرادات الحكومية وصلت إلى 2925 مليون ريال عماني بزيادة قدرها
12,5 % عن سنة 2003. وتعكس الزيادة في حجم الإنفاق والإيرادات في ميزانية هذه السنة النشاط المتزايد للاقتصاد العماني. ومما يزيد من دلالة أهمية هذه الزيادات أنها جاءت متزامنة مع الانخفاض النسبي في حجم الإنتاج النفطي.

وفيما يخص العائدات الأخرى، فإنه إلى جانب فائض مبيعات المكثفات النفطية المقدرة بـ160 مليون ريال، وإيرادات الغاز السائل والمكثفات النفطية المقدرة بـ255 مليون ريال عماني، فإن إيرادات الغاز الطبيعي المتوقعة تصل إلى 95 مليون ريال عماني، أي بزيادة تقدر بـ11,8 % عمّا كانت عليه سنة 2003. وفيما يخص عائدات القطاعات غير النفطية، فإنها تبلغ 761 مليون ريال عماني بزيادة 12,1 % عمّا كانت عليه سنة 2003، وهو ما يعني زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في إيرادات الميزانية العامة للدولة لتصل إلى 43 %([13]).

وعلى الرغم ممّا عرفه انخفاض إنتاج النفط الذي انتقل من 909 ألف برميل يومياً إلى 710 فقط، أي بانخفاض يبلغ 22 %، فإن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية غطى هذا الانخفاض.



2 - إدماج الاقتصاد العماني في شبكة الاقتصاد العالمي وتوجيهه
نحو التخصيص:


سعت الحكومة العمانية، في إطار خطتها التنموية، إلى جعل الاقتصاد العماني متفاعلاً مع مقومات الاقتصاد الدولي. وهذا ما يفسر انضمام السلطنة إلى منظمة التجارة العالمية، وسعيها في استيعاب المتغيرات التي تفرضها العولمة الاقتصادية، والتفاعل معها من خلال تحسين كفاءة الأداة الاقتصادي، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات العمانية، وتوسيع شبكة العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى.

كما حرصت الحكومة العمانية في ظل هذه الرؤية التنافسية على تشجيع القطاع الخاص ليقوم بالدور المؤمَّل في الاقتصاد العماني، خاصة في المرحلة المستقبلية لخطة التنمية حتى عام 2020. ويلاحظ فعلاً أن القطاع الخاص العماني دخل مرحلة المشاركة بدور متزايد في جهود التنمية الوطنية وتنفيذ البرامج الاستثمارية لخطط التنمية، حيث ارتفعت مشاركته في هذا المجال من 37,7 % في خطة التنمية الخماسية الخامسة لتصل إلى 53,9 % في الخطة الخماسية السادسة (2001-2005).

وفي السياق نفسه، عمدت الحكومة العمانية إلى إدخال القطاع الخاص في مجالات إنتاج وتوزيع الكهرباء، وتخصيص إدارة مطاري السيب الدولي وصلالة ومجالات الصرف الصحي والموانئ والاتصالات والصناعة والتعليم، وهو ما سمح بإقامة العديد من المشروعات الضخمة بتمويل من القطاع الخاص سواء بشكل كامل أو بمساهمة الحكومة([14]).



3 - تنمية القطاع المصرفي:

يتشكل القطاع المصرفي العماني من البنك المركزي العماني الذي تأسس سنة 1974 ومجموعة البنوك التجارية والمتخصصة العاملة في السلطنة. ويقوم هذا القطاع بدور حيوي في الحفاظ على التوازن المالي والاستقرار الاقتصادي، وتعزيز الثقة والشفافية في العمليات المصرفية على كافة المستويات في الاقتصاد العماني. ويسعى البنك المركزي العماني من خلال دوره الرقابي والتوجيهي إلى تفعيل دور القطاع المصرفي وتوسيعه للمساعدة في تحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال سياسة نقدية تهدف إلى ضمان استقرار الأسعار والحفاظ على قيمة الريال العماني، وتوفير التمويل اللازم لدعم النشاط الإنتاجي والاستثماري لمختلف الوحدات الاقتصادية([15]).

وقد أسفر نشاط القطاع المصرفي عن نتائج هامة مع نهاية سنة 2003، إذ زاد إجمالي مطلوبات البنوك التجارية العاملة في السلطنة بنسبة 3, 5 % إلى 4516,9 مليون ريال عماني مقارنة مع 4362,7 مليون ريال عماني في نهاية عام 2002. كما زاد إجمالي الائتمان المصرفي الذي يشمل مختلف القروض والتسهيلات المقدمة من البنوك التجارية ليصل إلى 3309,7 مليون ريال عماني مقابل 3270,3 مليون ريال عماني عام 2002([16]).

ونتيجة لتوجه الدولة نحو التخصيص، تمّ إنشاء مجموعة من البنوك الخاصة، نذكر منها بنك الإسكان العماني، وبنك التنمية العماني، وبنك التضامن للإسكان. وقد أدَّت كل هذه البنوك دوراً أساسياً في التوازن المالي للدولة.



4 - تنمية القطاعات الاقتصادية القاعدية: التجارة، والصناعة والزراعة:

وعلى الرغم من المتغيرات السلبية الإقليمية والدولية في مطلع القرن الحادي والعشرين، فإن أداء القطاع التجاري خلال سنة 2003 عكس صورة إيجابية، سواء في المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان، أو من حيث أهداف التنمية. وحسبنا أن الصادرات السلعية قد ارتفعت من 4295,5 مليون ريال عماني سنة 2002 إلى 4486,6 مليون ريال عماني سنة 2003 بزيادة 4,4 %. كما ازدادت الصادرات السلعية غير النفطية بنسبة 16,2 % سنة 2003.

وتعكس الزيادة في حجم التبادل التجاري ما عرفه قطاع التجارة من تطور وزيادة في قدرة الموانئ العمانية للترويج لمنتجات السلطنة([17]).

أما القطاع الصناعي، فيعتمد في نموه على الحرص على استغلال الموارد المحلية، وعلى الالتزام بمستويات الجودة العالية للمنتج، وتكامل الصناعات العمانية بهدف تنويع مصادر الدخل.

وتعدّ منطقة الرسيل أهم المناطق الصناعية في السلطنة، إذ تضم ما يفوق 137 مصنعاً. كما تم فتح «واحة المعرفة» بمسقط، ناهيك عن المناطق الصناعية الأخرى التي تؤدي دوراً في تنمية القطاع الصناعي بصور وريسوت وصحار، حيث تستقطب عدداً من الصناعات التحويلية والغذائية والثقيلة، علماً بأن الصناعات التحويلية حققت زيادة في مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة في 2003 بنسبة 13,9 % مقارنة مع ما كانت عليه سنة 2002([18]).

من جهة أخرى، يعد قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية من القطاعات الرئيسة التي شهدت نمواً، وأدت إلى تحسين أداء الاقتصاد العماني من خلال ما ساهمت به في الناتج المحلي الإجمالي وتنويع مصادر الدخل القومي. ولا غرو، فإن قطاع الزراعة والثروة السمكية ساهم بما مقداره 165 مليون ريال عماني في الناتج المحلي لسنة 2003، أي بزيادة 1,2 % مقارنة مع سنة 2002. وقد بلغت الصادرات الزراعية والسمكية 89,2 مليون ريال عماني سنة 2003.

وتبيِّن الأرقام المتوافرة أن الإنتاج الزراعي يكاد يغطي الحاجات الأساسية للمواطنين. فنسبة الاكتفاء الذاتي من التمور والفواكه تبلغ 93 %، بينما يغطي إنتاج الخضروات 64 % من حاجات البلاد الغذائية.

وتحرص الحكومة العمانية من جهتها على مساعدة الفلاحين، سواء من ناحية الخدمات الإرشادية أو توزيع الشتلات التي تمثل أجود أنواع المحصولات، أو من خلال تدعيم الحكومة للبيوتات المحمية مادياً، وتحسين نظم الريّ في المناطق الزراعية التقليدية([19]).

وبخطوة موازية، سهرت الحكومة العمانية خلال أعوام النهضة على تحقيق نمو متواصل في الثروة الحيوانية نتيجة للعناية البيطرية ودور البحوث والإرشاد الحيواني وبرامج التحصيل([20]).

وعرف الإنتاج السمكي بدوره زيادة تصل نسبتها إلى 8,2 سنة 2003 مقارنة مع سنة 2002.

من حصيلة الأرقام والإحصائيات، يتبين أن أداء الاقتصاد العماني قد عرف تحسناً واضحاً، وأن تحقيق النمو الاقتصادي مسألة لا غبار عليها، وهو ما يعكس صورة واضحة من صور النهضة العمانية المعاصرة، وهي الصورة التي تتجسد أيضاً من خلال ما سنعرض له بخصوص قطاع التعليم العالي.



ثالثاً: تطوير التعليم العالي في سلطنة عمان

لا جدال في أن مجال التعليم يعتبر من المؤشرات التي تعكس نهضة بلد أو تخلفه. وقد كان التعليم العالي والجامعي بعمان قبل سنة 1970 مجرد حلم لا يستند إلى أساس من الواقع، إذ لم يكن في طول بلاد عمان وعرضها سوى ثلاث مدارس ابتدائية قام السلطان سعيد بإغلاقها معتبراً تجهيل الشعب يضمن بقاءه في الحكم، حيث قال معلقاً على أحد مستشاريه الإنجليز: «لقد خسرتم الهند، لأنكم علمتم الناس»([21]).

بيد أنه بمجيء عهد السلطان قابوس، تغيّر الوضع التعليمي من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، فعرف نقلة نوعية على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة، خاصة أن قطاع التعليم يمثل في رؤية القيادة العمانية الجديدة مدخلاً لبناء المواطن العماني الواعي القادر على تحمل مسؤولياته تجاه ذاته ومجتمعه. وقد استلهم التعليم مناهجه وأهدافه من الموروث الثقافي للأمة وحضارتها.

كما اكتسى بعداً عصرياً يعتمد على الوسائل التكنولوجية وأخذ أبعاداً هامة لعل أهمها يتمثل في الاهتمام بالتعليم العالي باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التنمية البشرية بفضل الدور الحيوي الذي يؤديه لإعداد أطر الغد، وتأهيل الخريجين في مختلف التخصصات وفق رؤية موازية لسوق العمل الذي يفرض توسيع بعض الاختصاصات، وإدخال اختصاصات جديدة حسب متطلبات المرحلة، فضلاً عن فتح مجال القطاع الخاص للمساهمة بدوره في هذا القطاع الحيوي.


1 - ميلاد جامعة السلطان قابوس أو ميلاد مجتمع المعرفة:

على نهج التطورات التدريجية التي عرفتها السلطنة، عرف قطاع التعليم العالي تطوراً مهماً بالمقارنة مع السنوات العجاف التي سبقت عام 1970. فالدولة العمانية ركزت على التعليم الجامعي باعتباره قاطرة التنمية.

ويمكن القول إن قطاع التعليم العالي بسلطنة عمان وقَّع على شهادة ميلاده بإنشاء جامعة السلطان قابوس سنة 1986، هذه الجامعة التي أصبحت منبراً علمياً من الطراز الرفيع، ومركزاً لإعداد وتخريج الأطر الوطنية المؤهلة على أرفع المستويات في مختلف التخصصات، وقبلة للباحثين من مختلف المشارب. ولا أدل على الأهمية التي توليها القيادة العمانية لهذه الجامعة من الزيارات التي خصّها بها السلطان قابوس، من أهمها زيارته التاريخية لها في 2 مايو سنة 2000، وهو اليوم الذي أصبحت الجامعة تحتفل به كل عام.

ومما يكشف التطور الذي عرفته جامعة السلطان قابوس، أنها توسعت لتشمل حالياً سبع كليات وهي:
- كلية الآداب والعلوم الاجتماعية؛
- كلية التجارة والاقتصاد؛
- كلية العلوم الزراعية والبحرية؛
- كلية الهندسة؛
- كلية الطب والعلوم الصحية؛
- كلية التربية؛
- كلية العلوم.

وبينما بلغ عدد الطلاب بالجامعة 557 طالباً وطالبة فقط لدى افتتاحها سنة 1986، ارتفع هذا العدد ليصل إلى 2352 سنة 2003.
وفي إطار تفاعل هذه الجامعة مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، تم استحداث عدد من البرامج الجديدة في مرحلة الدراسات الجامعية الأولى في عدد من الكليات، لتتماشى مع احتياجات سوق العمل، نذكر منها على سبيل المثال برامج الإدارة المدرسية، والاقتصاد الزراعي، والدراسات الريفية، والهندسة البيئية، والدكتوراه في الدراسات الكربوناتية([22]).

ونظراً لأن البحث العلمي يعتبر أساس التنمية، فقد اهتمت جامعة السلطان قابوس بهذا المجال، وأسست عدة مراكز بحثية ممولة من المبلغ الذي خصصه السلطان قابوس لتمويل البحث العلمي خارج الميزانية السنوية المخصصة للجامعة.
وتقسم الجامعة البحوث إلى بحوث أكاديمية، وبحوث تطبيقية، وبحوث استراتيجية، أهمها استخدام نظم المعلومات الجغرافية (GU) والاستشعار عن بعد (RS)، وتقويم إمكان إعادة استعمال المياه المستهلكة. ولعل هذا المجهود البحثي الذي تضطلع به جامعة السلطان قابوس ما جعلها تحصل على جائزة مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأفضل مؤسسة تعليمية وبحثية في مجال البيئة عن عامي 2001 و2002 والتي تمنحها الأمانة العامة لمجلس التعاون([23]).

2 - ذكريات شخصية عن جامعة السلطان قابوس:

قدر لي أن أعمل أستاذاً زائراً في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس من سنة 1994 إلى 1998، مما هيأ لي الوقوف عن كثب على مظاهر النهضة الجامعية التي تشهدها عمان المعاصرة. والواقع أنني شاهدت ما تزخر به جامعة السلطان قابوس من مراكز بحثية بلغت 15 مركزاً، منها مركز البحوث الزراعية ومركز الدراسات والبحوث البيئية ومركز أبحاث الاتصالات ومركز الدراسات العمانية وغيرها من المراكز التي تتفرد بها جامعة السلطان قابوس مقارنة مع مختلف الجامعات العربية التي زرتها. كما تتضمن الجامعة مكتبة ضخمة تضم أشهر المصنفات والكتب والمراجع والوثائق، وهي مفتوحة في وجه الطلبة والأساتذة والباحثين من الساعة 9 صباحاً إلى غاية التاسعة ليلاً. وقد استفدت كثيراً من هذه الخزانة في تأليف كتاب حول "التواصل الحضاري بين عمان وبلاد المغرب"، قامت بنشره الجامعة بتعاون مع مركز الدراسات العمانية.

وطيلة إقامتي في عمان، كانت هذه الجامعة قبلة للباحثين والأساتذة والعلماء الذين كانوا يفدون إليها للمشاركة في الندوات والمؤتمرات. وقد تصادف وصولي إلى السلطنة مع تنظيم مؤتمر «عمان في التاريخ» الذي حضره المؤرخون العرب من كافة ربوع الوطن العربي، وذلك في ديسمبر 1994. وتعتبر النشرة التي تصدرها الجامعة وثيقة تؤرخ لأحداث المؤتمرات والندوات المتواصلة باستمرار، لعلّ أبرزها الملتقى العلمي الأول للوثائق العمانية الذي انعقد في 17/2/2004، والمؤتمر العالمي لتطبيقات مطياف المسباور، ومؤتمر التحكم بالشيكات لجودة خدمة الأمن والتجوال، والمؤتمر الدولي لتلوث التربة والمياه الجوفية، وغيرها من المؤتمرات التي تنم عن حسٍّ ووعي ناضج بالقضايا والتحديات المطروحة على المجتمعات ودور الجامعة في إيجاد حلول لها.

كما أن كلية الآداب كانت تنظم حلقات دراسية (سيمينارات) عامة شهرية يحضرها الطلاب والأساتذة لتقديم عروض قيمة تتبعها مناقشات تعكس نضج الفكر الجامعي ومساهمة كل الطاقات في بلورة فكر جامعي نهضوي. وقد قدمت في إحدى تلك الحلقات بحثاً حول «ابن بطوطة في عمان».

وسعياً وراء بناء الشخصية المتكاملة للطلبة من النواحي العلمية والأخلاقية والرياضية والاجتماعية، دأبت جامعة السلطان قابوس على تنظيم «الأسبوع الجامعي» الذي يحضره نخبة من مفكري العالم العربي، ويشارك فيه الطلبة، بل كانت الدروس الجامعية تتحول إلى مشاركة طلابية في هذه الملتقيات حيث ينتقل الأستاذ بطلبته إلى المدرج الذي يحتضن تلك التظاهرة.

وعلى صعيد الأنشطة الرياضية، كانت تنظم أيضاً أيام مفتوحة للتباري الرياضي، وأذكر أننا- نحن الأساتذة- كنا نشارك الطلبة في أيامهم الرياضية، وننافسهم في الحصول على الجوائز المخصصة لذلك، وهو ما كان يعكس الانسجام التام بين الطلبة ومؤطريهم.

ومن المعطيات الدالة على دور الجامعة في صقل مواهب الطلبة وتحسين قدراتهم العلمية ما كان يحصل عليه بعضهم من درجات علمية رفيعة، إذ إن بعضهم استطاع أن يجمع بين ملكة الحفظ والفهم وامتلاك آليات التحليل. كما كان البعض الآخر يتوفر على مواهب في رسم الخرائط واللوحات التي ما زلت أحتفظ ببعضها، فضلاً عن براعتهم في نظم الشعر. وأذكر أنه في الحفل الذي أقامه الطلبة لتوديعي عندما غادرت جامعة السلطان قابوس، نظم أحد الطلبة البارعين قصيدة شعرية حول شخصي المتواضع لا أزال أحتفظ بها ضمن وثائقي الخاصة.

وفي إطار انفتاح الجامعة على محيطها الاجتماعي، كان قسم التاريخ يرشح أعضاء التدريس لتقديم محاضرات ببعض المدن العمانية خلال شهر رمضان المبارك، مما يعكس رغبة الجامعة في نقل المعرفة من داخلها إلى المجتمع الذي يحيط بها. وقد كانت هذه المحاضرات التي شاركت في بعضها مناسبة لي للمزيد من التعمق في معرفة عادات وتقاليد المجتمع العماني والالتقاء ببعض المشايخ والعلماء والاستفادة من بعض المخطوطات النادرة.

وعلى العموم، فإن ذكرياتي الخاصة في جامعة السلطان قابوس تحتاج إلى صفحات طويلة، لكنني أكتفي بهذه اللقطات القصيرة بصفتي شاهد عيان على ما عرفته السلطنة من تطور على صعيد التعليم العالي ممثلاً في جامعة السلطان قابوس، إلى جانب كليات التربية التي تم تأسيسها كذلك في عصر النهضة في كل من الرستاق ونزوى وعبري وصور وصحار وصلالة، وبلغ عدد طلابها جميعاً 7930 طالباً وطالبة خلال موسم 2003-2004.

وفي إطار النهضة المعاصرة، تم أيضاً إنشاء كلية الشريعة والقانون التي بدأ العمل بها في الموسم الجامعي 1997-1998. ويتمثل الهدف الأساسي من إنشائها في إعداد الأطر العمانية المتخصصة في المجالات القانونية والقضائية. وقد بلغ عدد طلبتها 175 طالباً وطالبة في الموسم الجامعي 2003-2004.

وفي سياق تأهيل الإنسان العماني في الوسط الجامعي، دأبت وزارة التعليم العالي على ابتعاث عدد من الطلاب العمانيين في عدد من المؤسسات والجامعات والمعاهد إلى الخارج لنيل درجة الماجستير والدكتوراه لتوفير أطر وطنية متخصصة ومؤهلة، بغية إغناء التنمية الوطنية ومواكبة التطورات العلمية. وقد كان بعض أعضاء هيئة التدريس ممن درّسوا معي في قسم التاريخ من جملة المبتعثين، وأخبرت بأنهم عادوا إلى جامعتهم، ويشكلون اليوم ركائز هامة فيها ويعدون من فرسان قسم التاريخ.

3 - إشراك القطاع الخاص في التعليم العالي:

نظراً لتزايد أفواج المتخرجين من التعليم الثانوي ورغبتهم في الالتحاق بالتعليم العالي، فإن الحكومة العمانية فتحت المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في هذا السلك من التعليم. وقد حدد المرسوم السلطاني رقم 67/2000 أوجه الدعم التي تقدمها الحكومة لمؤسسات التعليم العالي الخاصة كتوفير الأراضي والإعفاءات الجمركية من بعض الرسوم، ومنح الجامعات الخاصة 50 % من رأس المال المدفوع. وهذا ما شجع المستثمرين والخواص على إنشاء عدد من الجامعات الأهلية والكليات الخاصة، نذكر منها جامعتي صحار وظفار إلى جانب 13 كلية خاصة، نذكر منها كلية مجان وكلية مزون وكلية مسقط وكلية الزهراء للبنات وغيرها. وبذلك أصبح القطاع الخاص يساهم في تنمية قطاع التعليم العالي.

تلك هي بعض الملامح التي اخترناها نماذجَ من الإنجازات المتعددة التي تعكس النهضة العمانية المعاصرة، وهي إنجازات تعضدها الأرقام والإحصائيات، ويدعمها ما تشهده سلطنة عمان من تحولات تنموية سيكون لها أكبر الأثر في مستقبل هذا البلد العربي الشقيق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhaddabi.mam9.com
بؤبؤ العين
مشرفة
مشرفة



عدد المساهمات : 707
نقاط : 11155
تاريخ التسجيل : 09/10/2010
العمر : 32
الموقع : في بلادي

ملامح من النهضة العمانية Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملامح من النهضة العمانية   ملامح من النهضة العمانية Emptyالسبت أكتوبر 16, 2010 6:27 pm

يسلموووووووووووا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
برج الباز
الإدارة
الإدارة



عدد المساهمات : 686
نقاط : 15802
تاريخ التسجيل : 25/07/2010
العمر : 44
الموقع : برج الباز

ملامح من النهضة العمانية Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملامح من النهضة العمانية   ملامح من النهضة العمانية Emptyالأحد أكتوبر 17, 2010 12:41 pm

بارك الله فيك يالشبح
انجازات نفتخر بها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ملامح من النهضة العمانية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» يوم النهضة المباركة
» انجازات النهضة
» الحلوى العمانية
» يوم المرأة العمانية
» 17 اكتوبر يوم المرأة العمانية فلنفتخر...

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــنـتـدى ابـن الـهـدابــي :: أربعون عاما من التقدم والازدهار :: ** أنجازات أربعون عاما **-
انتقل الى: